الأحد، 19 سبتمبر 2010

رباه ... إنى أكبر!

أحيانا نتعرض لأحداث هى من المسلمات و الحقائق المطلقة
و رغم هذا نقف أمامها مشدوهين و كأننا لم نع بعد حقيقة كونها كذلك
أو كأن عقلنا اللاواعى يرفض الاعتراف بهكذا حقيقة
ربما لأن مجرد اعترافنا بها يضعنا أمام خيارات جديدة لم نكن مهيئين لها
أو لأن هذا الاعتراف سوف يترتب عليه تغيرات جذرية فى منظومتنا الحياتية
هى حرب المنطق القاسى ضد اللامنطق العذب!
اليوم تحديدا تعرضت لهذه التجربة
اليوم التحقت ابنتى شهد بركب التعليم فى المرحلة الأولى التمهيدية (كى جى وان)
ذهبت معها للمدرسة كيفما اتفق و طوال الطريق أشعر بقلبى يخفق بشدة!
لا لخوفى من ردة فعلها فى هذا اليوم العصيب على أى طفل طبيعى وفقط
ولا للهفتى المعتادة عليها و خشيتى من بعدها المفاجئ عنى
فلم أتخيل يوما أنه من الممكن أن تتواجد شهد على بعد كيلومتر واحد حتى منى!!
فما بالنا بالمسافة التى تفصل ما بين منزلى و عملى وما بين مدرستها!
لا ... صدقا لم تكن تلك هى الأسباب وفقط...
الأمر أعمق من هذا بكثير
السبب الحقيقى هو أعجب و أغرب من هذه التفسيرات
الحقيقة تكمن فى طبيعتى التى تمتلك ذاكرة انفعالية قاسية!
 فأنا عندما أسترجع أى ذكرى أستعيدها بكامل انفعالاتها و كأنها حدثت فى التو !
كنت أعيش وبمنتهى القسوة ذكرى الطفلة الصغيرة النحيلة المدللة التى ترتبط بوالديها ارتباطا عنيفا و هى ترتاد باب مدرستها لأول مرة!!
و التى هى أنا بطبيعة الحال !
نفس الرهبة والوجل..
نفس الذهول والترقب..
نفس الدموع المحتبسة فى مقلتى..
و التى تأبى نفسى العزيزة أن يراها أحد حتى أبى نفسه!
نفس التظاهر بأننى متماسكة تماما و أنا فى أمس الحاجة لحضن أمى أو أبى...
نفس رغبتى فى الفرار والبكاء كما يفعل أقرانى المحيطين بى و الذين يمرون بنفس ظروفى
 رغم هذا  أتاملهم فى صمت وقور يخفى وراءه عاصفة من الخوف ونفسية أهش من بيت العنكبوت!
نفس التقلصات التى تجتاح معدتى و كأننى مقبلة على حدث جلل...
تذكرت أيضا ارتباطى الشديد بابنة عمتى و التى أوصى أساتذتى  والأخصائى الاجتماعى بالفصل بينى وبينها بسبب تعلقنا المرضى بعضنا ببعض!
و كانوا يطلقون علينا توأم الروح!
و كتبوا هذا فى التقرير النفسى الملحق بشهادة آخر العام لتنبيه والدى لهذا الأمر و الذى أحتفظ به إلى الآن
ووصفونى فيه أننى رغم تميزى بالذكاء الاجتماعى و قدرتى على التفاعل و الاندماج التام 
إلا أننى طفلة شديدة الحساسية و شديدة الارتباط برانيا!
و بالفعل..
و فى العام التالى لم يجدوا بدا من فصلنا عن بعضنا البعض
و فى أول يوم أتعرض لصدمة انفصالى عن رانيا ابنة عمتى 
هل أصف لكم إحساس بانهيار حصن الأمان الذى تملك منى بشراسة و بقوة؟!!
أم اصف لكم شعورى عندما أمسكت المدرسة بيدى الصغيرة بآلية تامة لتقودنى لحجرة دراستى الجديدة بدون حتى لكمة واحدة تهون بها على الموقف!
انتابنى شعور قارص بالغثيان وانعدام الوزن!
و لكن التزمت يومها بالصمت التام
و لم تسقط منى دمعة واحدة حتى
أقسم أنى جاهدت جهادا عنيفا فقط لأبدو متماسكة أمامها
و كأنه نوع من التمرد على تجاهلها لمشاعرى و عدم محاولتها حتى التمهيد لهذا الموقف العصيب!
حتى أننى أستعجب اليوم من قدرتى على هذا وقتها
 لكنها مرة أخرى نفسى التى تأبى الظهور بمظهر الضعيفة الواهنة ولو على حساب أعصابى 
رانيا تصرخ وتتمرغ فى الأرض
يعلوا صراخها فى المدرسة نسريييييييييييين
عاوزة نسريييييييييييين
لازال صوتها يرن فى أذنى إلى الآن
يشفق عليها أبى و عبثا يحاول إقناع المدرسة أن تتركنا معا اليوم فقط
على وعد بان يمهد هو لى و لها فيما بعد و أن يأتى الامر بشكل تدريجى
فترفض رفضا قاطعا
لا أذكر حديثها أو لم أعيه بمعنى أدق
كل ما أذكره أنى نظرت لها بصمت عاتب و حزن شديد ولم أنطق بكلمة اعتراض واحدة
بل مشيت معها فى استسلام ظاهرى و كأن الأمر كله لا يعنينى
و هى معجبة بهذه الطفلة العاقلة الهادئة المطيعة!
لكم وودت فى هذه اللحظة أن أصرخ كأى طفلة عادية و أبكى و أتمرد و أشتكى !
أن أتشبث برانيا كما فعلت هى  معى
أن أتوسل لأبى أن يجبرهم على ضمنا سويا فى حجرة دراسية واحدة
لكنى نفسى أبت على أن أفعل هذا و اكتفيت بصخب المشاعر القاسى الصامت  والذى لم يدركه  أحد يومها!
كل هذه الأفكار اجتاحتنى وبقوة وأنا أقف فى حديقة المدرسة فى انتظار أن يتسلموا منى شهد
أشفقت عليها قرة عينى من تجربة قاسية شبيهة ربما تلازمها عمرها كله و تتسبب فى شرخ جدار سوائها النفسى
فنفضت عنى كل هذه الأفكار 
 وأخذت أضمها لصدرى من حين لآخر و أغمرها بالقبلات لأشعرها بالأمان
ثم أحدثها بمرح و لهجة طفولية مواكبة لها عن جمال المدرسة و عن الأيام الجميلة التى تنتظرها هنا بما يتفق مع عقلها البسيط و إدراكها المحدود
(شوفى يا شوشو الجنينة الحلوة دى ، دى عشان شهودة تلعب فيها مع صحابها الجداد)
(الله شوفى الولد الامور دا والبنت الحلوة دى دول صحاب شوشو هيلعبوا معاها)
إلخ إلخ ......
كانت تتفاعل معى وتبتسم ببراءة تمس شغاف القلب و تتطلع إلى المكان بشغف أثلج صدرى
و قبل أن تذهب ضممتها لصدرى بقوة و قبلتها حتى أننى بمجرد أن رفعت بصرى وجدت إحدى أولياء الامور تنظر لى بتعاطف شديد و كأنها أدركت ما أعانى مما أشعرنى بالخجل من مشاعرى المفضوحة و دمعت عينى رغما عنى
فصرفت بصرها سريعا و كأنها لم تلاحظ ما طرأ على كى تعفينى من الحرج ربما!
و عندما انصرفت شهد بهدوء ووداعة تامة و هى تنظر لى بين الحين والحين حتى اختفت من أمام عيونى تماما
أدركت اختلاف الأدوار!
و أتامل فى الحقيقة المسلمة التى جسدت اليوم أمام ناظرى!
إننى أنا الآن ماما المطالبة ببث الأمان فيها
مهما كانت انفعالاتى و مشاعرى
لابد أن أودعها بابتسامة حانية و أستقبلها بمثلها حتى تتجاوز هذه المرحلة العصيبة بسواء نفسى تام
و حتى تتذكر هذه اللحظات يوما و هى تودع ابنتها على باب المدرسة ولكن بمشاعر و ذكريات مختلفة 
و تمكل القدرة يومها ان تبث مشاعرا إيجابية فى نفس طفلتها
انطلقت فى أعماق أعماقى تنهيدة حارة لم يشعر بها أحد و تمتمت بلا صوت
ربااااااااه .... إنى أكبر!




هناك 20 تعليقًا:

fagr يقول...

لم اقرا البوست كاملا لكن أردت أن أقول عدتي أسرع مما تخيلت

د. إيمان يوسف يقول...

كبرتي يا نوسة
طبعا كبرتي يا ماما نوسة
وبكرة شهودة تصبح عروسة وتكبري أكثر وأكثر

Unknown يقول...

كالعادة يا نسرين... تدفعيني -بسحر بيانك- لأنتقل من أمام الكاميرا إلى ما وراءها.. لأنتقل من رؤية المشهد البسيط الذي طالما اعتقدت أني أعرف تفاصيله (كأي مشاهد عادي) إلى الكواليس التي تحتوي على كل التعقيدات والتفاصيل والصخب الذي واكب صنع المشهد، والتي غالبا ما أكتشف أني لم أعلم منها شيئا... فأتذوق -من ثم- المشهد من جديد كأنني أشاهد نسخة جديدة مطورة من الفيلم...
عامة أستشعر معك هذا الشعور المخيف الذي ينتاب الطفل في مثل تلك اللحظات... شعور أن العالم كله ينهار إذ ينقله الكبار من بيئة عهدها وأمنها إلى أخرى جديدة ينتظره فيها المجهول المخيف....!

كلمات من نور يقول...

انتي كده كبرتي؟؟؟؟

على كده أنا حضرت حفل تخرج ابني منذ عدة أسابيع

كده أنا عجزت ........يا الله

دمعت عيني حينما قرأت كلماتك يا فتاتي

ربي يخلي شهد ليكي ويخليكي لشهد وكل حبايبك يارب

هل لازلت أنتي و رانيا توأمان؟؟

خالص تقديري لذكرياتك الجميلة

خابت بك ظنوني يقول...

لعلي ....ادركت شيء ما ...
هناك شيء غريب !!!!

لا أخفي أن مثل هذا اليوم .. وغيره من الأيام .... اخاف من مجرد مروره مرة أخرى !!

ولا أنوى حقاًفي اصحاب أطفالي إلى مقصلة الطفولة والبراءة ... أتمنى أن يكون أبوهم مستقبلاً ...ممن كانوا اصحااب الشوق للمدرسة دوماً !!!

يا إلهي !!

باحث عن حب يقول...

يارب
يكرمك فى نتك يارب وفى حياتك كلها
يا دكتورة
يارب

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

فجر
الزن ع الودان أمر من السحر
نورتينى يا ساحرة قلبى

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

اه يا ايمى والله كبرت خالص فعلا نوسة ايه بقة
تسلمى
شكرا جزيلا

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

عمقك هو الى شايفها كدة يا ماجد
شكرا جزيلا على ردك و تفهمك

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

كلمات من نور
ربنا يبارك فى حضرتك و يديكى الصحة والعافية و طولة العمر
ويفرحك بابنك يا رب
والله رانيا وانا فرقت بينا حاجات كتير جدا أولهم المسافة
دوام الحال من المحال
والحمد لله على كل حال

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

العزيزة المتفهمة خابت ظنونى
شكلى قلبت عليكى المواجع يا بنيتى
تقبلى عذرى
و امتنانى

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

محمود أخى العزيز جدا
ربنا يباركلك انت و شكرا على كل حاجة

hany mostafa يقول...

ربنا يخايليك شهد وحمد يا نسريت
ويجعلهم خير خلف لخير سلف
وجعلك سبب فى راحتهم وجعلك تحيطنهم بنظراتك وباحاسيسك وتأخذين من خبراتك الحياتية وتعطيهم بلا حساب

دمتى دوما بخير

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

المصرى
ربنا يكرمك و يتقبل منك و يجعلك بناتك ذرية صالحة و قرة عين ليك و لزوجتك اللهم آمين

غير معرف يقول...

عمر ذهب الي المدرسه

عشاق القلم يقول...

كلما مررت على كلماتك تشدني الروعة وبساطة الإحساس ، وعمق المعنى .

جعل الله شهداً وأخيها قرة عينك وأراك منهما ما تحبين على الدوام .

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

أبو عمر
ربنا يكرمك ويوفقك لما يجب ويرضى و يجعلك عمر واخواته قرة عين ليك
اللهم آمين
شكرا جزيلا على مرورك

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

أبو شهد
ربنا يتقبل منك الله وحده يعلم انا محتاجة الدعوة دى قد ايه اليومين دول
شكرا جزيلا

زينب علي حبيب يقول...

كلامك أبكاني ... قبل قليل كنت أراجع ذكرياتي مع صديقتي ... واقول ... لقد كبرت !!!

إن كنت تتذكرين كل شيء عن طفولتك


هناك أناس لا يتذكرون تقريباً أي شيء عنها ... مثلي ... فهذه أيضاً نعمة


الله يوفقك دوماً

منتحرة بخنجر الحرف يقول...

قطرة وفا سلامتك من البكا عزيزتى
نورتينى
شكرا جزيلا