الأحد، 28 نوفمبر 2010

هواجس (3)


عجيب أمر هذه النفس الإنسانية
كلما اعتقدت أنى سبرت أغوارها اكتشفت مدى جهلى المطبق بها و بدهاليزها الخفية
إن لها من الألاعيب ما يشعرك أنك كلما توغلت فيها و كأنك تتوغل فى بحيرة من رمال ناعمة!
تغوص أكثر وأكثر بلا ثمة امل فى النجاة او الطفو متطلعا لأعلى حاملا الكنز الذى سبحت كى تبحث عنه!
إننا نعرف أشخاصا و نشعر بالانجذاب لهم بلا سابق معرفة
بل ربما تتطور علاقتنا بهم و كأننا ترعرعنا تحت سقف بيت واحد ,رغم أننا ربما لا يستغرق زمان معرفتنا بهم إلا أياما معدودة
لا أجد لهذه الظاهرة الروحية الخاصة تفسيرا إلا حديث النبى الكريم
(الأرواح جنود مجندة .........)إلخ
ليس الغريب أننا ربما نتوحد مع من هم مشابهين لنا
و لكن الغريب حقا أن يحدث هذا مع من هم مختلفين عنا فى كل شئ
حتى هذه حاولت تفسيرها بالظاهرة الفيزيائية المشهورة
الأقطاب المتشابهة تتنافر والمختلفة تتجاذب!
مجرد تفسير واهى لحقيقة تحدث طوال الوقت
حتى التغيرات التى تطرأ على العلاقات الإنسانية تحدث أيضا أحيانا بلا مناسبة ولا أسباب محددة
فكما تجد إنسانا يتسرب بداخلك ويتخلل مساماتك بلا سابق معرفة أو مناسبة
تجد من الأحباء من يتسرب منك بنفس المنطق أو قل بنفس اللامنطق!
و لأنه يصعب علينا قياس العلاقات الإنسانية
فليس لها مقياس محدد إلا الإحساس والوجدان
و هو- لعمرى- مقياسا خاصا لا يفهمه إلا المقربون  ولا يمسه إلا الإنسانيون( إن كان هناك تعبير كهذا)!
و هم عندئذ قليل لو كنتم تعلمون!
المهم أقول
لأنه يصعب علينا هكذا قياس
فإن هذه التغيرات تصبح كالزئبق
يصعب بل يستحيل أحيانا الإمساك بها أو وصفها بتعبيرات واضحة و محددة
أنت فقط تشعرها و هنا تكمن القسوة!
هذه التغيرات لا تخضع لقوانين واضحة 
يمكنك محاكمة أو قل معاتبة صاحبها بها
و هنا يكمن العذاب
عندما تتحول صباح الجمال بابتسامة مشرقة إلى صباح الخير بابتسامة باهتة!
و عندما تتحول نفس التفاصيل التى كانت مصدر متعة وانبهار إلى تفاصيل خانقة!
عندما تتحول لحظات الصمت المشتركة المعباة بآلاف الكلمات و المفعمة بآلف الاحاسيس الغامضة القادمة من عالمكما الخاص إلى صمت مثير للريبة والشك و التساؤلات!
عندما يتحول عتابكما الرقراق الذى هو أشبه بسيمفونية حب تعزفونها معا
إلى قيد خانق مثير للأعصاب
خلافات صغيرة تنشأ فى ظل أحداث واهية لم تكونا تعبآن بها يوما
و غيرها الكثير والكثير من التفاصيل العابرة ولكنها معبرة لمن يملك جهاز رصد حساس!
قل لى بربك
كيف يمكنك الإمساك بهكذا تغيرات
بل كيف يمكنك مصارحة قرينك بها؟!!
تشعر فى كل لحظة بشئ ما يحدث
صوت يصرخ بداخلك طوال الوقت يناديه : أنت تتسرب منى أيها الحبيب!
كنت قديما تشعر بمعاناتى فقط بمجرد حدوثها
أحاسيسى و مناجاتى كانت تعبر حاجز الزمكان لتبلغك حيثما و أينما كنت
تصلك كرسالة روحية خاصة فتنتفض على إثرها كل دواخلك
كل مشاعرنا المشتركة
كل لحظاتنا الخاصة
كل ادمعنا الصادقة
فما الذى حدث
مالك ترى الحزن جليا فى عيونى ولا يحرك فيك ساكنا؟!!
فى البداية
تزدحم هذه التغيرات داخلك فلا تجرؤ أن تعبر عنها
ربما من شدة خوفك أن تكون صادقا!
تخشى على نفسك من الصدمة و اى صدمة تنتظرك أيها المسكين
أيها الإنسان المثقل بإنسانيتك!
أيها الحساس المفعم بمشاعرك 
مع الوقت يكبر حزنك فى صدرك فيصير كفقاعة تكاد –من شدة امتلائها بسائل الالم –أن تضغط كل احشائك بداخلك
تعتصر قلبك و رئتيك
تشعر بانفاسك تضيق و صدرك ضيقا حرجا  كأنما يصعد فى السماء!
تقول لنفسك ربما بعض العتاب يزيح عن كاهلى هذا الحمل الثقيل
ربما .. و هو (أى قرينك) يستحق
و العتاب لغة المحبين على أية حال
فيكون الدفاع أقسى من ألمك ذاته!
و تترقب محاولاته الآتية الحثيثة لإخفاء هذه التفاصيل الصغيرة فتشعر بمدى معاناته
تقدر فيه النبل الذى يدعوه لإخفاء كل هذا الفتور الغير مبرر ربما
أو أن تبريره الوحيد أن القلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء!
تقول رباه يا مقلب القلوب اجبر كسر قلبى و أعنى على إراحة كل حبيب
تبدأ فى خطة إنسحاب متقنة
و بداخلك تتمنى لو يستمسك بك صادقا
إنك اذا على استعداد تام لأن تنفض كل هذا الحزن
أن تبخر كل هذه الهواجس
أن تقنع نفسك بهذيانك حتى
و تلقى بكل المنطق و حتى اللامنطق وراء ظهرك فقط كى تظل بجانبه
و لكنك –وياللأسف-
تجدها محاولات واهية فاترة لا تسمن ولا تغنى من حب!
تبتلع غصتك التى تشعرها مبتسما وتقرر الرحيل و إلى الأبد
ولكن تظل الذكرى كالوخزة بقلبك لن تمحوها الأيام
و ستظل حجر عثرة تعرقلك كثيرا كثيرا قبل محاولة الإقدام على أى علاقة شبيهة
مهما لاحت فيها أطياف الأمل!!