الثلاثاء، 23 فبراير 2010

كراكيب!

ذاكرة قاسية هى ذاكرتى!

يوما ما شاهدت أحد البرامج على قناة النيل الثقافية

كان عنوان الحلقة مستفزا بشدة لمن هى مثلى

(ثقافة الكراكيب)!

كانوا يتحدثون فيه عن جدوى الاحتفاظ بالزوائد الغير مستخدمة سواء أكانت فى الأثاث أو الملابس أو حتى الكتب الغير مهمة و ما شابه

و كان أحد الضيوف هو كاتبى العزيز نبيل فاروق

و جدتنى -وعلى غير العادة- أتصل بهم هاتفيا!

لا أعلم الى هذه اللحظة ما الذى دفعنى لهذا ؟

بل ومن أين واتتنى الجرأة للحديث على الهواء مباشرة

ربما لأن موضوع الحلقة مس شيئا ما بداخلى

المهم

أننى بدأت حديثى بصوت مرتبك و ما أن اندمجت فيه حتى وجدتنى أتحدث بثبات تام

و أوجه حديثى إلى نبيل فاروق

قلت له تتحدث عن (الكراكيب)؟!!

إذا ماهو قولك أننى أحتفظ بكل رواية كتبتها بل وبكل ما وقعت عليه يدى من كتاباتك فى دولابى القديم فى غرفتى بمنزل أبى وأنا المتزوجة..

أمى تعد هذه الأشياء (كراكيب)!

و لكم تشاجرت معى للتخلص منها..

أما أنا يا سيدى فأعدها ملحمة كاملة!

و هنا ركز المخرج المحنك الكاميرا على وجهه الذى بدى عليه الوجوم !

ربما لأنه لم يكن يتوقع مثل هذا الحديث..

لا أعلم حقيقة!

أكملت حديثى قائلة:

إن كل كلمة قراتها لك سيدى ارتبطت فى ذهنى بمرحلة ما موقف ما أزمة ما

صراع ما.......

حالة عاطفية ما..!

كل فكرة شكلت جزءا من ذاتى..

فإذا تخلصت منها فكأننى أتخلص من حياتى ذاتها؟!!

ألغى ذاكرتى تماما؟!!

إننى يا سيدى أحتفظ فى منزلى بعلبة صدفية جميلة أعطتنى إياها أمى قبيل زواجى..

تجد فيها العجب العجاب!

فهذا منديل ورقى أصفر قديم أعطانى إياه أحدهم عندما رق لبكائى يوما!

و هذه زهرة يابسة أهدانيها إياه أحدهم!

و هذه ورقة شجر جافة كتبت عليها كلمات من القلب صادقة فى زمن عز فيه الصدق!

و هذا وهذا وهذا...

لا يا سيدى هذه ليست ( كراكيب)

إنها نحن بشكل او بآخر..

صمت الدكتور نبيل فاروق تماما

حتى أن المذيع قال له فى محاولة لتغيير الجو العام (أكيد دكتور نبيل فاروق فرحان جدا بكلامك)

لم ينبس كاتبى ببنت شفة!

و زاد تعبير الوجوم على وجهه..

أكملت حديثى الذى خرج من أعماق أعماقى ..

فلم أكن أنتظر منه وقتها سوى أن يسمعنى ..فقط..

والآن و بعد مرور سنوات على هذا الحدث..أعترف!

نعم ..

أعترف بأن ذاكرتى قاسية..

بل فى منتهى القسوة..

فهى تحتفظ بمئات بل آلاف (الكراكيب) الغير مفهومة أو محسوسة!

بل أعترف أيضا أننى أبحث عن شئ هلامى غير مفهوم أو محسوس!

بل ربما يكون غير موجود من الأصل..!

بل وأعترف أننى ظللت وقتا طويلا أستجديه ممن توسمت فيهم الفهم والإحساس..

و كأنهم مطالبون بهذا لمجرد أننى أردته!

أو لمجرد أننى تمنيت حدوثه!

و كما أدركت أننى أطلب المستحيل

فأنا أدرك أيضا أننى لن أتغير!

و سأظل أحتفظ بآلاف التفاصيل القبيحة!

و أعترف بأننى ساذجة!

ساذجة أنا..

كنتها وسأظلها ..

ولكن ....

هذا أنا...

شئت أم أبيت!!


الجمعة، 12 فبراير 2010

الخلاص! (قصة قصيرة)


كان التوتر يطبع بصماته جلية للعيان على وجهها الذى امتلأ بالتجاعيد..

تجاعيد عميقة اشترك الزمن مع قسوة الظروف فى نحتها!

وكانت تبدو فى هذه الملابس الرثة كلوحة مجسمة للأسى والشقاء كفيلة بإثارة حفيظة أي أديب أو فنان..

أخذت تنظر إليه برعب شديد وهو يقترب منها ببطء بدى لها متعمدا..

دقات قلبها تتصاعد فى تسارع ولعابها يجف تدريجيا حتى خُيِّل إليها أنها على وشك الإغماء..

جالت بعينيها سريعا فى وجوه المحيطين بها علها تجد من بينهم من تتوسم فيه القدرة على تخليصها من بين براثنه

فلم تجد؛ فهم جميعا ما بين نائم أو متشاغل بالتحديق فى اللاشىء، أو من هم على شاكلتها وربما أسوأ!

عادت بنظراتها اليائسة لتصطدم بنظراته الساخرة القاسية المقيتة وكأنه يقول لها: أنا قادم من أجلك.

أو هكذا خيل إليها!

خفضت عينيها تحدق فى موطئ قدميها وهي ترتجف وتدعو الله أن ينجيها من هذا الموقف العصيب..

انتبهت فى هذه اللحظة فقط إلى تلك الفتاة الجميلة التى تجلس على المقعد المجاور لها مباشرة.. كيف لم تنتبه إليها قبل الآن؟ لا بد أن السبب يرجع إلى حالتها التى يرثى لها!!

تعلقت نظراتها بها بكل أمل.. إنها من تبحث عنها بكل تأكيد!

وأخيرا.. بعد دقائق - بدت لها كساعات طوال - توقف بجانبها تماما

فشعرت وكأن قلبها توقف عن النبض، أو كأن الزمن هو ما توقف فى هذه اللحظة!

سألها بفظاظة وغلظة السؤال الذي تخشاه!

فأجابت بهمهمة خفيضة وَلَّدَها الرعب والإحراج لم يسمعها سواها..

فصاح فى وجهها بقسوة كي ترفع من صوتها قليلا..

قالت له بصوت مرتجف النبرات: لا أملك نقودا!

هَمَّ بالصياح فى وجهها مرة أخرى بشراسة وربما بالسب واللعن !

لولا أن أشارت له الفتاة - التى تلوح الطيبة على محياها الهادئ المحاط بحجاب أنيق - والتى تجلس بجوارها فى تلك الحافلة العامة أن: توقف!

وأسرعت بدفع ثمن التذكرة وهي تُربِّت على يد السيدة المسكينة بحنان..

نظرت لها البائسة بامتنان شديد..بعينين مغرورقتين بالدموع
دموع الراحة والخلاص!

هنا.. نظر لهما المحصِّل بلا مبالاة، ثم أكمل مهمته بآلية وكأن شيئا لم يكن!

الأربعاء، 10 فبراير 2010

فلاش باك 5


حالة اللاسلم لا حرب

مصطلح شهير ساد الاجواء المصرية فى هذه الحقبة التاريخية الحساسة من تاريخ مصرنا الحبيب

و ارتفعت الأصوات تدوى من كل حدب وصوب تطالب الرئيس السادات بانهاء حالة التمييع فى الموقف المصرى من اسرائيل

أو هكذا كانوا يظنون!

و أرانى أشعر بحرقة كل شاب- فى هذه الفترة العصيبة- يهوى الردى ويتوق لحرب عاتية تسترد لمصر كرامتها التى تبعثرت مع جثث الضحايا على أرض سيناء

أشعر بكل عصرة الم اعتصرت قلب امرأة عندما نظرت الى اطفالها الأيتام و اصطنعت ابتسامة خاوية من كل روح محاولة انتزاع الحزن من عيون صغارها و تفضحها لمعة عينها المليئة بدموع حارة أبت الا أن تحتشد خلف جفون تورمت من الأسى والبكاء اللذين لا يشهدهما الا وسادتها المسكينة

أراها بعين الخيال تنظر اليها وتحتضنها كل ليلة و تتحسس فيها ريح الغائب الذى تدرك أنه لن يعود أبدا

لن تجد بعد اليوم الحضن الحانى الذى كان يزيل عنها كل ليلة تعب اليوم بأسره

لن تشم بعد اليوم رائحة عطره المميزة التى طالما كانت تسبقه فتعلم بقدومه قبل أن يدور المفتاح فى الباب فتسابق الريح لتستقبله بلهفة غياب اليوم كله

لن يصبرها بعد اليوم ويقول لها بلهجته المختلجة بحبه لها وللوطن

(ما غبت عنك الا من اجلك واجلهم .. فقط من اجلكم!)

فتسيل دموعها وحيدة فى غرفتها لتحرق وجنتيها التى كانت متوردة منذ أيام قليلة

والان هى مجدبة كقلبها الذى أضحى بعد الراحل كصحراء قاحلة

و تلفحنى انفاسها الحارة وتنهيدتها الملتاعة و هى تدعو الله كل ليلة أن تعيش لترى اليوم الذى يبرد فيه لهيب مستعر يقطن صدرها الملتاع

أما عن هذه الام الثكلى التى فقدت قرة العين فحدث ولا حرج

أحدثك عن هذيانها كل يوم و هى تحضر له الطعام فى ميعاد رجوعه اليومى و لا تكاد تستفيق الا وهى جالسة على مائدة الطعام تنظر له نظرات واجمة وتقنع نفسها أنه ربما تأخر فقط ولكنه سيأتى

حتما سيأتى

فهو لا يستسيغ الطعام الا ما صنعته يداها الحانيتان

لا لن تحتمل غضبه الحانى اذا تناولت غداءها من دونه

وتضحك عندما تتخيل تظاهره بالغضب و رفضه الطفولى لتناول الطعام وحيدا

و ما ان تستدير بوجهها متشاغلة عنه

حتى يبدأ فى تناول الطعام بشهية ملحوظة!

ويتضاحكان معا حول المائدة وهما يتناولان الشاى ورائحة النعناع الاخضر تزكم الانوف ويحكى لها كل ما مر به فى يومه كعادته منذ أن كان طفلا وكأن شيئا لم يكن

فتجرى لتتوضأ ويلتهج لسانها بالذكر والدعاء وتسأل الله الصبر الجميل قبل ان تفقد عقلها و تسأله أن تشهد يوم الثأر

كل هذا واكثر بكثير

الكل مشحون بعد حالة من البلبلة و فقدان التوازن سادت الجميع لفترة ليست بالقصيرة

و كيف لا و قد كانوا ينتظرون كل ليلة اعلان غرق دولة اليهود العظمى فى البحر!!

فاذا بهم يغرقون فى بحور من الأسى والدماء و جثث خيرة شباب الوطن!

حالة من فقدان الوعى النسبى

مما جعلهم يخرجون فى مظاهرات حاشدة داعين قادة الهزيمة للعودة للصفوف الاولى!!!

و جعلت هذه الحالة العجيبة أحد نواب المجلس يرقص أمام الكاميرات فرحا بعودة القائد!!!!

ثم يخرجون فى جنازة مهيبة سجلت فى موسوعة جينيز للأرقام القياسية!!!!

ذهبت السكرة و تحول كل مصرى لقنبلة موقوتة تستعد للانفجار فى أية لحظة

فى كل بيت حكاية و فى كل شارع مأتم

الوطن بأسره استحال سرادق عزاء ضخم

و الكل يرفض استقبال العزاء وينتظر يوم الثأر الأكبر

و على الصعيد الاخر

و فى الكواليس تدور أحداث اخرى لا يدرى عنها العوام شيئا

خطط وعمليات و اجتماعات وتدريبات

خلية نحل متيقظة لا تهدأ أبدا

تسعى للثأر و رد العزة والكرامة

خطين متوازيين كل فى طريقه لا يلتقى مع الاخر

الناس تتهم الحكومة بالتخاذل والتواطئ و الحكومة تطالب الناس بالصبر وانتظار الفرج!

الشارع المصرى يسير فوق أتون مستعر من الغضب

والمظاهرات تنطلق من كل مكان و الاتهامات تتناثر هنا و هناك

و النكات اللاذعة تهاجم المسئولين

هكذا حالة اللاسلم لا حرب هى على النفس اشد وطأة من الهزيمة

ربما لغياب عامل الفهم و الادراك

و أسأل نفسى مع نفسى!

ماذا لو أدرك العوام والمثقفون ما يدور فى باطن الموقف وما بين الكواليس؟!!

اذا لهدأت فورة الحيرة فى صدورهم المختلجة بعذاب المهانة و الخذلان

أو هكذا كانوا يظنون؟!!

ربما!

********************

أشعربقشعريرة لذيذة تسرى فى جسدى كلما تذكرت هذا المشهد الشهير فى احد الأفلام المصرية القديمة

البطل الفدائى يدخل الحارة المصرية التى ينطق كل ركن فيها بالحميمية و الأصالة

انها مصر مصغرة كما يجب لها أن تكون

يدخل و هو لا يدرى أن البوليس السياسى يتربص به هناك

فيتفتق ذهن البسطاء عن فكرة جهنمية يتبادلونها بسرعة الصاروخ كى يحذروه من الغيلان البشرية التى تريد اقتناصه غدرا

تنطلق من أفواههم كلمات اغنية بسيطة بساطة المصرى الجميل الاصيل الشريف

بكل ما تحمله اعماقه من حب الأرض والعرض

يحذرون العصفور من دخول القفص

و يصفقون معا فى مشهد مهيب ويفهمون بعضهم البعض

فتخرج النساء من الشرفات وتغنى نفس الأغنية و مرتادى القهوة و الاطفال الصغار فى رمزية عبقرية حقيقة

الجميع يصفق ويغنى نفس الكلمات فى مشهد مهيب

و تحتبس الانفاس رهبة وخوفا والبطل يقترب

و فجأة ينتبه للتحذير الجماعى

و يجرى مسرعا محاولا الهرب ويطارده الطغاة و يطلقون عليه الرصاص

و تنتهى احداث الفيلم المبدع بنهاية مفتوحة كحياتنا ذاتها!

و كأنى بالمولف قد اكتفى بحالة الشحذ الجماعى والالتحام التى سادت الجموع و اعتبرها نهاية عادلة سواء نجا البطل ام لم ينجو!

*******************

لا زلت أذكر ذلك اليوم العصيب الذى مررت باحداثه المؤلمة منذ سنوات عدة

فى احدى المناقشات عديمة الجدوى التى كنت أتبادلها مع عقول لم تكن لتستوعب الا أفكارها ولا تسمع الا لصوتها وصوت القطيع وفقط!!

كانت رحلة من هذه الرحلات التى لم أعد منها الا وقد ترسخت فى ذهنى فكرة أن النهاية قد اقتربت أكثر واكثر!

و أن كل ما يدور هنا ما هو الا نطح للصخر و محاربة لطواحين الهواء فى عادة دون كيشوتية لم أتوقف عنها والى الأن!!

فتركت الجلسة و ابتعدت فى صمت وهدوء و جلست أمام البحيرة الراكدة

و ضممت قدمى الى صدرى بشدة و عينى شاخصة الى المجهول و دموعى تسيل فى غزارة مستغلة وحدتى و بعدى عن الاخرين

أحادث المياه بعينى و قلبى يلهج بالدعاء لخالقى أن ينور بصيرتى

أرتجف من البرد رجفة أداريها جاهدة بالمزيد من ضم قدمى الى جسدى

فاذا بى أشعر بحركة طفيفة ورائى

فاختلست النظر فاذا باحدى صديقاتى تجلس بالقرب منى فى صمت و تبادلنى النظرات و البكاء الصامت!

ثم ننظر سويا مرة اخرى الى المياه

مالى أشعر بقليل من الدفئ يسرى بين اوصالى؟!!

*********************

نشيد قديم أخر يدوى فى اذنى

غرباء غرباء غرباء غرباء

غرباء ولغير الله لا نحنى الجباه

غرباء وارتضيناها شعارا للحياة

ان تسل عنا فانا لا نبالى بالطغاة

نحن جند الله دوما

دربنا درب الأباة

لن نبالى بالقيود بل سنمضى للخلود

فلنجاهد وننضال

و نقاتل من جديد

غرباء هكذا الاحرار فى دنيا العبيد

........................

...................

*****************

الامل الباسم فى قلبى لكن الحسرة تحصده

لو أن فؤادى يتخلى عن الم قاسم يجهده

لزرعت على شفة الدنيا لحنا والكون يردده

:)

الثلاثاء، 9 فبراير 2010

وحش كاسر!


ان سوء الظن هو وحش كاسر ينهش فى صفاء انفسنا

هو نار موقدة تحرق اول ما تحرق صاحبهاَ!

هو دمار شامل لاى علاقة انسانية ناجحة

قالها قديما بونابرت

فرق تسد!

عندما تود أن تهدم بناءا انسانيا قائما على اساس سليم ونقى

لا تكن من الغباء بمكان فتلجأ للوسائل القديمة!

كالحرب المعلنة وما شابه!

بل اتبع هذا المبدأ الوصولى الفاسد !

فكم من مشاعر رقراقة تبخرت على اثر نار الشك الحارقة!

و كم من أشخاص فقدناهم و قد كانوا عندنا بمثابة النعيم الحقيقى على الأرض اليابسة!

حتى ان رب العالمين سبحانه حذرنا ان بعض الظن و ليس كله اثم!!

اللهم جنبنا الظن بعضه وجله

اللهم طهر قلوبنا من الظن حتى نلقاك بقلب سليم

امين